السبت، 23 نوفمبر 2013

المرحاض، دورة المياة، الحمام ، مكان الراحة ........



كلما ذكر تخليد يوم ما كثر عليه اللغو و اللغط ، هل الغاية منه إعادة الاعتبار أم مجرد هراء سياسي ليس أكثر، أو إملاءات حقوقية وهمية لخاناتها الفارغة ، أحد الأصدقاء كتب على حائطه للفيسبوك أنا أخل اليوم العالمي للمرحاض،تزامنا مع تخليد يوم الرجل، الموضوع الذي كان مادة دسمة للعجين الفكري لدى الشباب على الفيسبوك.
وبخلاصة الأسبوع الفيسبوكية بدأ حوارنا ككل عادة في أمسية سوق الأفكار بالمقهى المعتاد،مقاهي الشاي و المسمن قرب كلية العلوم السملالية تشكل عكاظ للطلبة كل مساء، فكانت محطتنا القارة.
يونس قاطع حميمية اللقاء  التي افتتحت بالسؤال عن الحال و الأحوال بسؤاله العجيب! لما لا نخلد اليوم العالمي للمرحاض؟ _الطواليط حاشاكم_
لما نتحدث عنه بهذا التحفظ وكل هذا الاحتشام ـ حشاكم ـ ؟ إنه ذلك المكان الذي يشكل جزءا لا استغناء عنه بكل بيت و مؤسسة، درس خبراء التعمير قياساته بدقة، طوله وعرضه، نوافذ التهوية والإنارة ، و تموضعه داخل البيت،و الدقة في دراسته تمثلت في استنادهم للأسس العلمية حول حجم الهواء ونسبة الأوكسجين و الكمية التي يستهلكها إنسان واحد في كل دقيقة،احتمال المدة القصوى التي يستغرقها إنسان بالغ في المرحاض كافية لتقدير المساحة التي يجب أن يشغلها هذا المكان.
تتمة لما قالت، أود التطرق إليه بناء على أبحاث  استندت إليها   دراستي الجامعية بحكم إني أتخصص في العلوم السياسية ، والتعمير و سياسة المدينة أحد مواد هذه الدراسة، أشير أولا إلى بعض الإشكاليات  المتمثلة في:
المراحيض العمومية: لا يوجد تصميم هيكلة لحي أو شارع ما يخصص فيه مكان لهذا المرفق الهام.لما لا يتم تحديد مساحة خاصة له؟ ومن المسئول؟ أهو مشرع قانون التعمير؟ المهندس ؟...
وبالنسبة للمراحيض القليلة المتواجدة، لما لا يتم الاعتناء بها، وتنظيفها؟
وكذلك الأمر بالنسبة للمراحيض الخاصة بالبيوت ، أكثر العائلات يتجاهلن قيمتها وأهميتها بالبيت.
  إنه موضوع مقزز للقاء اليوم مع أنه يجب أن يكون طبيعيا جدا !
بالنسبة لمشكل النظافة، هو مشكل تربيو بالأساس ولتربية الجيل الصاعد على ذلك، يجب تعويد الأطفال على تنظيف المراحيض بعد استعمالها بدل توكيل المهمة للكبار، لنتفادى نمو تلك التصرفات الانتهازية لديهم والتي يتسبب فيها تغليب المصلحة الخاصة، غياب الوعي الجماعي و تقدير الآخر، كما تعويد على حسن تدبير الماء دون الإفراط في استخدامه.
التحفظ في ذكر اسم المرحاض  وإضافة حاشاكم هو نابع من الثقافة المجتمعية و السبب هو ارتباط ذلك المكان بالرائحة الكريهة، أما مشكل النظافة فمرتبط بالبناية التي يتواجد فيها ذلك المرفق، والفرق واضح جدا بين كلية العلوم مثلا ومؤسسة تعليمية خاصة ذات مكانة كبيرة ، إنني أبحث عن المكان الذي يحترمني كإنسان لأحترمه وأقوم بتنظيفه بعد استعماله.

سأتحدث عن المرحاض انطلاقا من الجاني الصحي :
الصحة النفسية: تتمثل في الحميمية التي تنشأ بين الذات و ذلك المكان و التي تهيئها الراحة  الجسدية التي يشعر بها المرء بعد ارتياده للمرحاض.
إضافة إلى أن عدم ممارسة التغوط بشكل يومي ينعكس سلبيا على التفكير الإبداعي وله انعكاسات نفسية أخرى _ هناك دراسة دولية أكدت أن الذي لا يمارسون تلك العملية البيولوجية بشكل يومي منتظم يفرغون ذلك فكريا ، وفي كتاباته  _

  أتخيل تلك الكتابات  :( 
 
الصحة البدنية: هناك أمراض كثيرة من بينها الكوليرا، سببها تلك الأوبئة التي تشكل مرتع الميكروبات التي تنتقل إلى الجسم باستخدام غير عقلاني  للمرحاض الغير نظيف، خاصة المراحيض العصرية.
أما بالنسبة للرائحة الكريهة هناك بكتيريا بالجهاز الهضمي تحلل تلك المواد فتتخد لونا ورائحة.

أشمئز من ظاهرة التبول العلني المنتشرة بأزقتنا ، أشخاص ممدرسون ويعرفون أنه أمر محضور وفعل لا إنساني ومع ذلك يمارسونه، على الجدر و بالحدائق ....

بدوري سأشاركك الحديث بهذا الموضوع العجيب للقائنا اليوم، وسأتحدث عن المرحاض باعتباره ذلك المكان الذي يفرغ به الفرد وبكل حرية ما لا يستطيع تفريغه بشكل علني، من مخبوءات نفسية، فكرية، سياسية. فتجد الطالب الجامعي يكتب ما يحلو له من شعارات سياسية دون قيود على جدران المرحاض ويعبر عن مواقفه السياسية  الحقيقية بحرية شبه مطلقة، وعن أفكاره و معتقداته أحيانا. والسبب طبعا هو تقويض الحرية بالشارع و حرية التعبير عن الرأي علنا، فيجد بذلك المكان ملاذه.
إنه مكان عجيب ! تتزين به الفتاة بكل حرية ، و يغني فيه الشاب ويكتب الشعر ويعبر على أفكاره الغريبة بكل حرية.

لا أعتقد أن استخدامه بشكل جيد و منظم له انعكاسات نفسية، ومشكل النظافة بمجتمعنا ناتج عن ثقافة المصلحة  الذاتية التي تغلبها مجمل الأسر بالطبقة المجتمعية المتواضعة وهي طبقة رجعية بنظري تربي أطفالها على ذلك لتحافظ على استقلاليتها و تواجدها.
كنت بمدرسة يكتب الشبان على حائط مرحاض الفتيات رسائل لهن ليلا، فتجيب عنها الفتيات نهارا هههههه بالنسبة للتعابير السياسية فسببها هو الحواجز التي تطوق حرية التعبير و التفكير ولذلك يجب الشباب في جدران المرحاض مذكراتهم السرية.

المرحاض!  يعبر عن مركزية الذات في علاقتها مع العالم و الطبيعة، هو سمة من سيمات الحداثة و ما بعد الحداثة ، هو بداية الثورة، بداية الإبداع، لذلك يجب أن نهتم به اهتماما يليق به.
شخصيا أنا أستبعد بشدة إمكانية التفكير الإبداعي،هناك أماكن لذلك، غرفة ، صالون، حديقة ... المرحاض هو وسيلة للممارسة عملية بيولوجية فقط.

يجب ألا نبالغ في توصيف هذا المكان، ليس إلى درجة ربطه بالتفكير الإبداعي، قد يكون مكانا لدراسة أفكار الشباب بالجامعة مثلا، فتلك الشعارات المكتوية على الجدران تعبر عن تواجد توجهات فكرية وسياسية مختلفة.
أود أن أشكركم على اختيار الموضوع، لقد بلغنا كل هذه الحرية والأريحية في حواراتنا إلى درجة مناقشة موضوع المرحاض، هنيئا إنها بداية حقبة من التنوير والفكرية و حرية الحوار.

انطلاقا من تجربتي، اعتقد أنه بالفعل مكان له انعكاساته النفسية ، إنه مكان لتفريغ ذلك المكبوت، البدني والفكري، للشعور بالراحة.
من يعبر عن أفكاره على جدران المرحاض إنما يعبر عن عجزه عن التعبير خارجه ، إنه نقطة ضعف، تبين أن حرية التعبير لازالت مفقودة ، أو أن الشباب لا قدرة لهم عن التعبير عن أرائهم بكل حرية ، مشكل بين ضعف الشخصية و مشكل الحرية.
                                                                         سوق الأفكار الخميس 21 نونبر 2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق