شهد مساء الخميس الأخير من شهر نيسان المنصرم اللقاء الأسبوعي الذي اعتداد عدد من الشباب على الالتحاق به بأحد المقاهي المتواضعة والتي باتت قبلة معروفة للنقاشات و الحوارات الفكرية لمختلف التوجهات و الايديولوجيات.
أمسية البارحة دامت اكثر من ساعتين من الزمن بمجرد افتتاح الحوار من طرف أحد الحاضرين الذي بادر بتأطير الحصة لإعطاء كل الأراء الحق في عرض أفكارها ، الموضوع كان هو: ازدواجية التفكير ..انفصام الشخصية لدى الفرد أو ما سمي من طرف أحد الأصوات بالسكزوفرينية (الظاهرية ).
الرأي الأول بالموضوع استقاه صاحبه من دراسة المفكر المشرقي مصطفى حجازي مصطفى
حجازي للمجتمع والذي أوضح أن
الذريعة
الأولى للاستعمار كانت هي تخلف تلك المجتمعات حسب ما قال المتدخل ، ثم أشار إلى
عوامل تلك التخلف التي تجلت في:
ــ نمط التعليم
التقليدي الغير مواكب لتطور الحضارات، والذي لا ينتج مثقفا فاعل بالمجتمع
ــ الاستلاب والتسلط المفروض على الفرد و المجتمع.
مما يدفع الفرد إلى الارتباط العاطفي بأمور الغيب و الآخرة، والتأثر و
الإعجاب بالغرب في ان واحد كما يدفعه إلى تبني الأفكار التحررية التي يروجها
الإعلام الغربي والتي تتقاطع ما ما يسود بالمجتمع من ثقافة و أفكار.
وهنا يضيف اخر أن تبني تلك الأفكار لا يكون ظاهريا لسبب ذلك التقاطع
مما يدفعه إلى الانطواء أو العزلة.
رأي اخر يشير إلى أن بإمكان الفرد الاقتناح بأفكار ما وتبنيها كأساس
لتفكيره لكنه يجد صعوبة بالغة في تطبيقها مما
يدفعه إلى تحريفها نوعا ما حتى تنطبق بما يسود في المجتمع لتفادي ذلك
التصادم الذي ينتج عن تعارض الفكر مع التقليد.
فيما أشارت مداخلة أخرى إلى أن السبب الحقيقي لما سماه بازدواجية الشخصية
المنبثقة عن ازدواجية الرأي هو غياب مثقفون فاعلون في تغيير أسلوب التربية لدة
الطفل سواء من خلال التربية الأسرية، التعليم أو الإعلام.
ضعف الشخصية وتبني الأفكار عن عدم اقتناع يجهل الفرد متذبذبا بين
التوجهات و قناعاته الشخصية سبب ذلك حسب رأي المتدخل هو غياب المبادئ ، و نضج فكري
غير سليم.
الجانب النفسي: حالة تنتج عن تعارض الإعلام المهيمن مع واقع المجتمع
بحيث يكون الإعلام هو مصدر المعلومة يخالف تماما الواقع المجتمعي. المتدخل تعمق
بتركيبة الذات الإنسانية مشيرا إلى أن : ما يوظفه الإعلام من مبادئ يخالف تماما ما
يروج له كأعراف و تقاليد سواء من عرف المجتمع نفسه أو مستوردة من ثقافة أخرى مما
يجعل المتلقي النمطي التفكير مزدوج المواقف وهذه الحالة لا تقتصر عن الإعلام حيث
أضاف المتدخل أنها قد تنتج عن قراءة كتاب يتضمن بفقراته نسقا فكريا يقن هبه القارئ
في حين أن أفكاره متناقضة بالنسبة له وهنا يحصل نوع من الارتباك في التفكير و
السلوك أيضا.
كما أشار إلى مثال لأجل التوضيح: إن كانا مقتنعين بنسبة 5 بالمائة من
الأفكار يتضمنها كتاب ما، في حين أن
95 من المائة أفكار تتعارض
وقناعاتنا ينتج عن ذلك إلى ازدواجية التفكير، وأشار في بعدها السياسي إلى تقاطع
الفكر المجتمعي مع النهج الاقتصادي الاشتراكي العادل في توزيع الثروات رغم
اقتناعهم بأنه هو الحل الأكثر صوابا للفساد القائم.
يتدخل أحد المشاركين بجزمه أن ضعف الايمان بالأفكار التي تبناها الفرد
هي السبب الرئيسي للازدواجية التي يظهر بها ولو كان مؤمنا باقتناع بتلك الأفكار
لكان المصدر الأول لسلوكه و مواقفه دون أي تحريف. ثم يضيف أنه هناك ما يسمة بالسكزوفرينية ذات المصلحة حيث يوظف الرفد سلوكا معينا يتنافى وأفكاره لأجل بلوغ
مبتغاه.و هنا تناقض بدا لدى بعض المدخلين حيث أشار أحدهم أن الايمان بالأفكار عن
اقتناع لا يسمح بتغييرها ظاهريا لأي ظرف وهنا يكمن وجه الشخصية القوية.
التعقيب دفع المؤطر إلى التذكير بقانون المعمول به في هذا الحوار و هو
عدم المعارضة أو التعقيب أو الرفض بل احترام جميع الآراء وعرض أفكار بديلة دون
ربطها ربطا مباشرا بسابقاتها، لتفادي نوع من
الشد والجدب المتعارف عليها في مثل هذه الحوارات التي تتضمن إيديولوجيات
مختلفة و متعارضة.
فكرة اخرى تعرض حالة المجال الحقوقي و التعارض الحاصل بين الحقوق
الكونية المتعارف عليها و الحقوق التي أتى بها الدين الاسلامي ، يشير المتدخل إلى
مثال الإرث في الإسلام.
فيما أشار آخر إلى مثال الكذب على الأطفال التي يجده بعض الاباء حلا
لأسئلة أطفالهم أو حلا لبعض المواقف التي تخصهم فيدفعون أطفالهم إلى الكذب لتعزيز
مواقفه في الوقت الذي يحذرونهم من الكذب بطريقة ترهيبية بالتخويف من عقاب الله.
تناقض الأفكار و المبادئ ومقتضيات مجال التشغيل مثال آخر، أشار إلى
علاقة رب العمل بالعامل و المنظور الخاص لكل واحد منهما، الأول يرى أن مصاريف
شركته و الضرائب تدفعه لنهج سياسية معينة دون ظلم الاخرين في حين أن العامل يراها
نوها من الاستغلال و خدمة المصلحة الفردية على حساب الكل، الشيء الذي يدفع رب
العمل إلى تجاهل مبادئه لتفعيل سلطته و العامل إلى التخلي عنها بدعوى نيل الحق.
والاشارة هنا إلى مثال النضال أيضا: الحقوق مشتركة بين جميع أفراد
المجتمع لكن المطالبة بها تكون بشكل
مناسباتي ومصنفة ضمن: حقوق الطفل بعيد الطفل، حقوق المرأة بعيد المرأة ، حقوق
العامل بعيد العمال ...إلخ وهذا السبب
الرئيسي في تلك التفرقة الحاصلة بالمجتمع و الناتجة عن تناقض في التفكير في حقوق
الشعب و المطالبة بها ضمن هذه التصنيفات.
هذا المثال قاد عددا من المتخلين إلى الصراع الطبقي والصراع بين الفرد
و المجتمع كذلك ، أضاف أحد المتخلين مشيرا إلى دراسة بوعلي ياسين في دراسته الثالوث المحرم الثالوث
المحرم الذي اختصره هذا الاخير في المحرمات الثلاث:
الدين: يشير المتدخل إلى أن احتكار الخطاب الديني من طرف رجال الدين لا ينتج عنه إلا الاستغلال مضيفا أخر في نفس
السياق أن ذلك الحكر القائم على الحوار الديني من طرف ثلة من المتعارف عليه
بالساحات الخطابية، يدفع الفرد إلى التساؤل و رفض الكثير من الأمور الزائفة و
السائدة بالمجتمع ويواجه من طرف الاخرين بالرفض أيضا لتبنيه هذه الأفكار أو محاولة
تغييره لما هو سائد باستخدام العقل الناضج والمنفتح، التفكير المتحرر و التدبر في
عمق الأمور وأبعادها وهنا يتعرض إلى الإقصاء التام مما يدفعه إلى الإنطواء أو
هروبه إلى العزلة وبالتالي يكون له صورة مختلفة
في تصور المجتمع.
السياسة: نظرة الفرد الواعي لواقع البلد المنتمي إليه و حقوق الشعب في
الثروات و مداخيل الدولة و ولاء المجتمع لساستها ، النخبة التي يشكلها مجموعة من
هؤلاء الأفراد الواعون تعد بنظر المجتمع بالتيار المثير للفتنة أو الدخيل فيتعرض
إلى الإقصاء.
الجنس: و ذلك التطابق القائم بين
العيب والمحرم من جهة وبين الأمر الواقع و العار من جهة اخرى، مجتمع يخجل من
مناقشة الجنس و الاستحياء من مفردة التربية الجنسية في حين أن الدين يوظفها بشكل
سليم و الواقع يبين عكس ذلك تماما في مظاهر الفساد و الدعارة والكبت الحاصل لدى الكثيرين
ممن يدعون الاحتشام حسب رأي المتدخل.
إضافة تقول إلى ان ذلك هو تعارض بين الخير والشر ، وتعارض بين الشهوة
و الفضيلة، تكل الأمور الثلاث التي يحرم المجتعم مناقشتها تدفع الفرد إلى نوع
من الجدل الداخلي المتأرجح بين ما هو
واقع، و ما هو مصدر قائم وتابث ، و ما جيب أن يكون.
أحد الشباب أشار في هذه السياق على الرومانتيكية الحاصلة لدى
المتشبعين بمشاهد التحرر في صوره الإعلامية (العري ، الرقص تعابير الجسد ..) و
ثورة الذات الراغبة في التغيير معبرة عن مطالبا عن طريق الجسد للعجز الفكري عن
التغيير، وهذا ينتج عن الاستهلاك الأعمى دون إعمال العقل أو فشل الفكر في فرض
مكانته مما يدفعهم لطرق أخرى.
الحلول حسب أراء المتدخلين:
ــ صعوبة تغيير المواقف بعد تشبعنا بالأفكار السائدة
والثقافة المتعارف عليها تستدعي بناء عقل سليم وفكر ناضج أولا،مثال : التنبأ بأمور
ستحدث بالمستقبل وبعد حدوثها بمحض الصدفة يدفع المجتمع إلى تبنيها كحقيقة واقعة و
توريثها للأجيال اللاحقة على أساس أنها جزء من العقيدة يحرم تجاوزها، وهذا ما
يتطلب نضجا فكريا سليما لتصحيح تلك الإعتقادات الخاطئة.
ــ إجلال الخطوط الحمراء و تحفيز العقول على التحرر
الفكري و تفكيك قيود الفكر العقيم، والتشجيع على الانتاج الادبي الفكري سواء من
خلال الإعلام أو التعليم أو عن طريق الشبكة العنكبوتية.
ــ التشكيك في
الأفكار إي كان مصدرها و تحري الصائبة منها قبل تبنينها إياها وفق إدراكنا العقلي.
ــ تبني المبادئ السليمة حتى لو خالفت سلوك مروجيها،
وعدم إقران التنازل عنها بأخطاء فئة معينة منهم.
ــ إسقاط الأعراف و التقاليد و الاحتكام لما هو صائب لا
لما هو قائم.
ــ تصحيح الأخطاء ومراجعة متواصلة لأفكار لتجديدها و
ضمان سلامة المرجع لسلوكنا.
ــ الرجوع لمبادئ الدين الإسلامي و الإشارة لسياسة عمر
ابن الخطاب لحل المشاكل و إقامة الحدود ، مسائل التآخي، التعاون و السترة.
ــ تجاوز مشكل القصور الجدلي و الانفعال و الانزواء إلى
الذاتية.
ــ تحمل
المسؤولية و الالتزام تجاه النفس، الآخر، المجتمع و الوطن بالثبات على السلوك
السليم المتوخى و المنبثق عن نضج فكري يعتبر بمثابة القاعدة.
ــ التفكير والتأني في حل المشاكل لبلورة حل عادل.
ــ أول الحلول حسب رأي متدخلة هو تجاوز مفردة السكزوفرينية لأنها مرض نفسي يظل منحصرا بمجال الطب النفسي، والذي
توصف حالته في صور مختلفة: الانطواء، التحدث مع النفس بصوت مرتفع، الخجل، الانعزال
.....، وتضيف إلى أن الاستيلاب هو المصطلح الأقرب للحالة المجتمعية التي نوقشت،
والتي يتولد عنها جيل قابل للانكسار بسبب أسسه الفكرية الهشة.
ـــ عدم تضخيم المشاكل الحاصلة لكي لا تعطاها هذه تلك
الصورة الوهمية الخطيرة، بل تبسيطها لأجل تجاوزها بسهولة دون تعقيدها.
ــ تحري اقتناص الأفكار عن الفلسفات الغربية خصوصا
اليونانية القديمة وحل مشكل الترجمة الذي غاليا ما يوصل المعنى ناقصا أو محرفا.
ــ العودة إلى حل أزمة الأخلاق التي تعتبر اساس تلك
المشاكل.
بهذه الحلول تم اختتام اللقاء حيث ضرب له موعد اخر في الأسبوع القادم
باقتراح من الحاضرين للأشكالية التالية كمواضيع أخرى تستدعي النقاش:
هل الغريزة أحد
أسباب الإنقسام ؟
إبدأ بنفسك ، كيف؟
الفضيلة والمجتمع؟
صناعة الإنسان، الكيفية و البعد الزمني؟