الجمعة، 29 مارس 2013

لقاء يوم الخميس 28 مارس 2013

الساعة تشير الى السادسة و النصف مساء .. الكل منهمك بتناول لمجته اليومية " مسمنة و كاس شاي " .. عند سعيدة مولات المسمن .. المتنفس الرئيسي لطلبة و مستضعفي مراكش الحمراء ..
في ركن من اركان هذا المقهى الشعبي و في زاوية من زواياه .. اجتمع مجموعة من الشباب على المسمن و الشاي و شيء اخر .. يتجاذبون اطراف الحديث .. هذا يبدي رايه .. هذا يسال و ذاك يجيب .. هذا يقول و ذاك يضيف .. ينتقلون بذلك من موضوع الى اخر في تسلسل و ترابط يصب دائما في نفس موضوع الجلسة الرئيسي ..
عن النهضة يحلو الحديث .. بين ثلة من شباب مراكش الحمراء .

يبدا الحوار من حيث انتهى في الاسبوع السابق .. الانتصار للقضية بدل الانتصار للتجمع او التنظيم .. ينقلنا هذا الموضوع للحديث عن مقدمة ابن خلدون. بين مؤيد و معارض .. بين من يعتبر التغيير يهم  الاهل و العشيرة الى الوطن ثم العالم .. و بين من يرى انه ينطلق من العام الى الخاص ..
لم يطل الحديث كثيرا.. اذ قاد الحديث احد الحضور الى طرح اشكالية النهضة و الوحدة .. اية علاقة بين الاثنين و ايهما يسبق الثاني؟ موضوع فرض قليلا من التأمل و التفكير قبل ان يبدا كل واحد في عرض وجهة نظره الخاصة ..
فهناك من يساند فكرة الوحدة اولا .. فلا يمكن لمجتمع ان ينهض ان لم يكن موحد الاهداف و الوسائل .. فان لم نضع معا رؤية موحدة و ان لم نسلك جميعا طريقا واضحا فستضيع محاولاتنا و طاقاتنا سدى . و هناك من يؤيد نفس الفكرة ببعد اخر .. وحدة الاهداف اولا لا الوسائل .. فيمكن ان نرسم معا نفس الهدف و كل يسلك طريقا لبلوغه لنلتقي بعد ذلك في نقطة النهاية.. و هناك من يجد ان النهضة تسبق الوحدة .. فلا يمكن تصور مجتمع موحد ما لم ينهض فكريا.
" ينهض فكريا ".. فما مجالات النهضة اذن ؟.. سؤال ما فتئنا نجيب عنه بتفصيل .. بدئا بالنهضة الفكرية و الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و مظاهر كل واحدة على حدة حتى انتقل بنا الحديث الى طرح اشكالية اخرى .. النهضة غاية او وسيلة ؟ .. فما دامنا نعدد مظاهر النهضة و مجالاتها بكل تفصيل .. فهل هذه المظاهر هي الهدف الاسمى الذي نسعى لتحقيقه لتتحول بذلك النهضة الى غاية في ذاتها .. لا احد ينكر ان النهضة وسيلة .. وسيلة لتحقيق ماذا .. اشاعة العدل في الارض .
العدل .. فعن اي عدل نتحدث ؟. فالعدل اديولوجيات و يختلف من تيار لى اخر .. هكذا كانت وجهة نظر احدهم ..
العدل الحق .. عدل يتفق عليه الجميع .. ناخذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. لا احد يختلف في كونه عادلا .. او خوسي موريكا رئيس الارغواي مثلا .. فهي امثلة حية على اشاعة عدل يتفق عليه الجميع مهما كان انتماؤه الاديولوجي ..
و بغض النظر ان كانت النهضة تسبق الوحدة او العكس .. و بغض النظر ان كانت غاية في ذاتها او وسيلة .. فما هي النهضة ؟
النهضة حراك .. ضد الركود . لكن لا وجود لدولة راكدة .. الدولة دائما في حراك .. يبقى هذا الحراك نسبيا .. فهناك دولة تتحرك نحو الامام و هناك اخرى تتحرك نحو الخلف. النهضة اذن حراك نحو الامام ضد الرجعية و و التخلف.
لنتخصص قليلا و لنمر الى النهضة و الشعب المغربي .. اية علاقة تربط شعبنا المغربي بمصطلح النهضة ؟. بعد اخد و رد خلص الحديث الى اربع عوارض تعبر عن الوضع الحالي ... و هي كالتالي :
الخوف من النهضة – عدم الايمان بالقدرة عليها – طغيان فكر التنافس الطبقي – و حب الاستهلاك بدل الانتاج .
حب الاستهلاك هذا حملنا للحديث عن الايفون و الترامواي و القطار فائق السرعة .. قبل ان نربط كل ما سبق بالدراسة ..
هكذا الاسئلة الفلسفية ... كل جواب يشكل سؤالا جديدا يطرح اشكالية معينة ..
الدراسة .. موضوع فرض تساؤلا شكل منطلقا لموضوع جديد .. لماذا ندرس هل من اجل الوظيفة ام شيء اخر ..؟
بدا الحديث بشكل عام .. غالبية الشباب المغربي يدرس من اجل التوظيف و الاستقرار كهدف اسمى .. لنترك التعميم و نتحدث عن انفسنا قليلا .. يمكننا ان ننجز دراسة تمكننا من الحديث مستقبلا وفقا لمعطيات صحيحة نكون بذلك قد انتجنا شيئا يساعدنا على فهم الواقع .. اما الان فليتحدث كل عن نفسه ..
حسنا انا ادرس من اجل الوظيفة – يبارد احد الحضور - دراستي الان لا و لن تفيد لاي شيء غير الوظيفة .. كل التعابير الرياضية تلك و المستويات و معالم الفضاء لا اجدها ستفيدني في شيء .. دراستي للعمل اما ثقافتي فاكتسبها على طريقتي الخاصة .. دورات تدريبية و كتب و مجالس ..
اما انا فادرس من اجل ان اثقف نفسي .. فان لم اجد وظيفة بما درست ساغير مجال دراستي الى مجال اخر .. و لا يهم متى اشتغلت و باي دبلوم ..
في حين يقول اخر .. انا ادرس حاليا لاجد وظيفة ..  فالوظيفة الان هي الهدف .. بعد ذلك ساعتبرها وسيلة لتحقيق هدف اسمى ..
و انا اعتبر الدراسة و الوظيفة مجرد وسيلة .. الكل يصب في سبيل الهدف الذي ارموا لتحقيقه .. فالدراسة الان استغلها لتثقيف نفسي اولا و  لاشغل وظيفة بما درست .. تلك الوظيفة  وسيلة لاقترب اكثر من هدفي ..
في حين يضيف اخر .. هدفي هو الذي يتحكم في كل شيء .. ان كنت ساصل اليه بالدراسة فسادرس ان كنت ساصل اليه بالعمل فساعمل .. لذلك فقد درست و عملت و تطوعت في نفس المجال الذي يصب في تحقيق هدفي في نهاية الامر . ليكون هذا اخر راي في الموضوع.
الثقافة اذن .. هناك من قال اننا ندرس لكي نثقف انفسنا .. فما الثقافة اصلا؟
مهلا .. الساعة تشير الى التاسعة مساء. الثقافة اذن اول موضوع نفتتح به جلسة الخميس المقبل ان شاء الله ..
بدء الحضور بالانسحاب واحدا تلو الاخر .. بعد ان ابتاع الافكار المناسبة و التي يقيمها كافكار صحيحة من بين الافكار المعروضة .. و بعد ان عرض افكاره للحضور بالمقابل ..

ان كنت مهتم بجلسات " سوق الافكار " تابعنا لتتعرف على مواضيع الجلسات المقبلة .. و انشئ مشروعا مماثلا في محيطك لتصبح جلسات المقاهي جلسات فكرية رسالية بدل جلسات الاكل و الاحاديث المملة.

المسمن و الحلم .. !


بقلم : عائشة معتكف

"إنه الماء الذي لا لون له، لا طعم، ولا رائحة، تخضر به الأرض حيث ما حل" عفوا هذا التشبيه  يعود لأحد المجانين الذين يدمنون على التهام "المسمن" والتنظير إلى طريق نهضة  تأخذنا نحو تحقيق الحلم. تشبيه في محله ذاك  لمجموعة من الحمقى، المتمردين على الأصباغ ، والرافضين للتلون، عقولهم التائهة أخذتهم عن ذلك كله وأكثر ما تهواه هو التسكع بين أوراق المجلدات المنثورة، والمبعثرة على الرفوف الخشبية، لو نطقت تلك الرفوف لصرخت من ثقل ما تحويه بطون المجلدات من أفكار متناحرة ولتمنت العودة إلى أصلها، إلى شجرة تنبض بالحياة، فالحقيقة هي ذلك الأصل أما الرف فهو مجرد تصنع خارج عن الإرادة المنعدمة لتلك الكائنات بيد أصحاب العقول الذين سخرت لهم

أخذت بمكاني عند بائعة  المسمن ورائحته تتسلل إلى أنوف المارة فتستميل البؤساء نحو هذا المقهى المتواضع، أما المجانين الذين كنت أنتظرهم فليس " المسمن" وحده الذي يدلهم بل يستهويهم ذلك السمر الفكري الذي يحلق بالأفكار في سماء الحلم وهي متضاربة أحيانا ومتوافقة أخرى.. لحظات تسمر وتأمل قبل أن يتقاطروا على مقاعدهم بالسؤال عن : النهضة !
ما هذا السؤال يا فاطمة الزهراء الذي أخدنا الجواب عنه إلى ألف سؤال؟ وأولهم من هو الإنسان؟
طال الحوار والشد والجدب بين الأفكار إلى أن تدخلت أسماء تستفسر إجابة استعصت عليها لأحد أصدقائها الملحدون. فقلت في نفسي: رائع جدا! هناك على الأقل من يسأل، فشخصيا لدي الكثير من الأصدقاء اسمهم أسئلة وكل صديق هو سؤال رائع وكلما زاد عدد الأسئلة أشعر بالأنس والإطمئنان في رحلتي الطويلة، وأكثر ما أشمئز منه هو تلك الأجوبة الجاهزة كلفائف المسمن المحشوة بالبيض والجبن.
وبعد سؤال أسماء تقاطرت الأسئلة من كل صوب تدور في فلك الدنيا ؟ الوجود؟ الفكر؟ التغيير؟ النهضة؟ والحلم الكبير صناعة الحضارة !

ونحن جالسون نحتسي كؤوس الشاي، ركبنا زورق البحث في رحلة عبر الزمن بين الماضي و الحاضر، قبل أن يصوب أحدنا البوصلة ويهتف قائلا، هيا إلى المستقبل ! أنسيتم أنه مهمتنا؟ نعم المستقبل سيكون الأفضل لابد وذلك بعد رحلة في زورق البحث مجدافه الأسئلة.
أخدنا الحديث والنقاش وتشعب الأفكار التي تنتقل بنا من موضوع إلى موضوع، ولولا أن النادل جاء ليجمع كؤوس الشاي وصحون المسمن لما انتبهت للساعة على هاتفي الأبكم، فبائعة المسمن غادرت المكان منذ وقت طويل بعد أن أتمت مهمتها والنادل يستعد لإسدال الستار على منصتها وأنا تأخرت عن موعد دخولي للبيت، استجمعت قواي واستأذنت المجانين للرحيل قبل أن تخلو الشوارع من العقلاء...